بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عطروا أفواهكم بالصلاة على محمد وآل محمد
يقول رسول الرحمة ص : من نقله الله من ذل المعاصي الى عز الطاعة أغناه بلا مال وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس , ومن خاف الله
أخاف منه كل شيء , ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء , ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل ,
ومن لم يستحي من طلب الحلال من المعيشة خفت مؤنته ورخى باله ونعم عياله , ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها
لسانه وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من الدنيا سالما الى دار القرار .
فدتك نفسي يا رسول الله
العم سوادي , هو موظف خدمة يعمل في صالة العمليات في احدى مستشفيات الحلة , رجل في العقد السادس من العمر , أشيب الشعر ,
يعمل بهدوء وسكينة , يمشي بخطوات بطيئة وهادئة من دون أن يحدث ضجيجا أو صخبا , لا تسمع له صوتا , رجل تلبسته البساطة في
كل شيء , في تصرفاته , في ملبسه , في مأكله , في عمله , في تطلعاته . ففي تصرفاته : تراه لا يطيل الحديث مع أحد , يقابلك بابتسامة
هادئة تختفي من وجهه بسرعة ليتركك ويذهب ليواصل عمله . في ملبسه : قميص خشن الملمس وبنطال قديم أقرب الى أن يكون رثا ,
يدخل بهما الى غرفة تبديل الملابس ليخرج منها مرتديا بزة العمل الخضراء ,وهي ايضا خشنة القماش ومجعدة , ويلبس معها خفا أبيضا
متهلهلا . مأكله : كان متعودا كلما يجد فرصة للراحة أن ينزوي في احدى الغرف هناك ليخرج ما أتى به من مأكل بسيط , عبارة عن كسرة
خبز ورأس بصل , فقط لا غير , تعودنا أن نراه يأكل هذه الوجبة متلذذا بها في كل غذاء وعشاء , لا زيادة ولا نقصان . تطلعاته : هو لا
يبحث عن شيء مهم , يخرج من بيته الكائن في حي قديم مودعا زوجته وعياله , ويأتي الى المستشفى ليتجه مباشرة الى مقر عمله الخاص ,
صالة العمليات , وهناك , يبدأ يومه بتنظيف المكان وتعقيمه واحضار المواد التي يطلبها منه القائمون على تلك الصالة . هو لا ينتظر من
صخب الحياة هذه شيئا , وليس له حاجة في شيء من مباهج الدنيا , لا يغتر بما تمن به عليه الايام من خيرات وفرح , ولا يهمه ما يصب عليه
الدهر من مصائب ونوائب , فهو مكتف بالعمل البسيط , وبالمأكل البسيط , وبالملبس البسيط , وبالعائلة الراضية القانعة بما جادت به يد الله
عليهم . ليس له من جدول يومي متخم سوى أن يكون ما بين بيته مع زوجته وأطفاله وبين محل عمله حيث العمل بصمت دؤوب , هو يملأ
يومه بالعمل والصلاة والجلوس في سكينة أوقات راحته .
عمو سوادي , كم هي بسيطة وسلسة وهادئة حياتك , كم هي قانعة وراضية نفسك , كم أنت زاهد عما لدى غيرك وقانع بما لديك , لم نراك تظلم
أحدا ولا أحد يجد الفرصة أو العذر ليظلمك , ولما يظلمك ؟ , أين نحن من هكذا حياة بسيطة لكن مستقرة , أين نحن من هكذا حياة متقشفة لكن
هانئة ؟
متى يا ألهي نكون من الطائعين لك , متى يا ألهي نكون من الخائفين منك , متى يا ألهي نكون من الراضين بقسمك , متى يا ألهي نكون من
الزاهدين في الدنيا , متى ومتى ومتى ....... , لقد أوضح سيدي ومولاي رسول الله ص لنا علامات الزهد في الدنيا : قصر الأمل , وشكر على
كل نعمة , والورع عن كل ما حرم الله . فهل نحن من الشاكرين ؟ , هل نحن من الورعين ؟ , هل نحن من الزهاد ؟
الابراهيمي